أحدهما: قولكم: " المختار "؛ فإنه يشعر أن بين العقلاء اختلافا في ذلك، وليس كذلك فيما علمت، وكيف يتصور أن يجوّز عاقل إنقلاب العلم جهلاً وإنقلاب الحقائق مطلقاً محال.
وثانيهما: قولكم: إنه يكشف عن الوجوب؛ فإنه قد تقدم أن العلم لا يكشف إلا المعلوم للعالم به، فعلم الله تعالى يكشف له معلوماً لا لنا، بل الذي يكشف لنا علمه تعالى هو الواقع - كما تقدم - فالعلم لا يكون كاشفاً إلا المعلوم للعالم خاصة.
قوله:" إذا أمر بإدخال الإيمان في الوجود حالة حصول العلم بعدم الإيمان، فقد كلفه الجمع بين الضدين ".
قلنا: لا نسلم أنه كلفه الجمع بين الضدين، بل علم الله تعالى مانع من أحد الضدين، والأمر طالب للضد الآخر، فيبقى ذلك كالسيد إذا أمر عبده بالحركة، ومنعه منها؛ فإن العقلاء لا يقولون: إنه كلفه بالضدين، بل كلفه بأحدهما فقط ومنعه منه، وفرق بين أن يكون متعلقه الضدين، وبين أن يكون متعلقه أحدهما فقط، ويمنعه منه كذلك، وإن كان مستدركاً لا يكون من جهة التكليف بالمحال، بل من جهة كون سبب العصيان كان من قبل السيد أنه منعه كما لو أمره بالسفر، ومنعه منه بعد ذلك لا يقول أحد: إنه كلفه بغير مقدور، بل مقدور، والسيد بسبب عوقه عن الطاعة.
قوله: " الآية معارضة بقوله تعالى: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}[البقرة: ٢٨٦].
تقريره: أنهم سألوا رفعه، وسؤال رفعه فرع إمكانه في نفسه؛ لأن الدعاء بما لا يقع محرم شرعاً، والمحرم شرعاً لا يمدحون به، وهذه الآية وردت في سياق المدح.