قوله:" إذا لم يكن عارفا بالله تعالى استحال أن يكون عارفا بأن الله تعالى أمره بشيء "
قلنا: لا نسلم؛ فإنه يكفي في أنه يعلم أن الله تعالى أمره بالعرفان من وجه ولو قل، فلو جاءنا رسول من خلف جبل وقال: إن خلف هذا الجبل ملكا عظيما يأمركم بالقيام إليه، أمكننا حينئذ أن نعلم ثم ملكا قيل عنه: إنه أمر بذلك، ونفحص عن صدق الرسول، ولم نعلم حينئذ إلا قول المبلغ عنه فقط، وإذا كان مثل هذا الوجه كافيا في السعي في المعرفة، فالأقل منه يوجد في حق الله تعالى.
قوله:" الوجه المشعور به يستحيل طلبه لكونه مشعوراً به، وغير المشعور به يستحيل طلبه لكونه غير مشعور به ".
قلنا: الوجهان في الحقيقة الواحدة هي موضع الجواب، وبينها وبين الحقيقتين فرق ظاهر؛ لأن بين الوجهين في الحقيقة تلازما يبعث على الإنتقال من المعلوم للمجهول، بخلاف الحقيقتين المتباينتين.
ويوضح ذلك أنه إذا علمنا في المدينة رجلا عالما يستحيل الفحص عنه؛ لأنا عرفناه وإن دخل المدينة رجل عالم، ولم يشعر به البتة استحال منا طلبه، لعدم الشعور به، فهاتان حقيقتان متباينتان.
وأما لو أخبرنا مخبر أن رجلا عالما وصل المدينة فقد عرفناه من وجه، وهو كونه مخبرا عنه بذلك الخبر، فبعثنا ذلك على تعرف بقية أوصافه؛ لأن بين هذا الوجه المعلوم وبين تلك الوجوه المجهولة ملازمة باجتماعهما في ذات ذلك العالم، والمعلوم منهما أشعر بأن ثم أوصافا مجهولة ينبغي طلبها، فحصلت الملازمة والشعور بأن ثم مجهولاً ينبغي طلبه، فتعين طلبه.
قوله:" إن لم يلزم مجرد تلك التصورات لزم بعضها لبعض، فهي تقليد به ".