فإن قلت:" إنك لما جعلته غير موجب للقضاء، فحيث وجب القضاء، لزمك خلاف الظاهر!! ":
قلت: عدم إيجاب القضاء غير، وإيجاب عدم القضاء غير ومخالفة الظاهر إنما تلزم من الثاني، وأنا لا أقول به، أما على التقدير الأول: فغايته أنه دل دليل منفصل على أمر لم يتعرض له الظاهر بنفي، ولا إثبات؛ وذلك لا يقتضي خلاف الظاهر.
الصورة الثانية: الأمر المطلق، وهو أن يقول:(افعل) ولا يقيده بزمان معين، فإذا لم يفعل المكلف ذلك في أول أوقات الإمكان، فهل يجب فعله فيما بعده، أو يحتاج إلى دليل؟
أما نفاة الفور: فإنهم يقولون: الأمر يقتضي الفعل مطلقا، فلا يخرج عن العهدة إلا بفعله، وأما مثبتوه: فمنهم من قال: إنه يقتضي الفعل بعد ذلك وهو قول أبي بكر الرازي، ومنهم من قال: لا يقتضيه، بل لا بد في ذلك من دليل زائد.
ومنشأ الخلاف: أن قول القائل لغيره: (افعل كذا) هل معناه: افعل في الزمان الثاني، فإن عصيت ففي الثالث، فإن عصيت ففي الرابع، على هذا أبدا، أو معناه: افعل في الثاني، من غير بيان حال الزمان الثالث، والرابع؟ فإن قلنا بالأول: اقتضى الأمر الفعل في سائر الأزمان، وإن قلنا بالثاني: لم يقتضه؛ فصارت هذه المسألة لغوية.
واحتج من قال: إنه لا بد من دليل منفصل بأن قوله: (افعل) قائم مقام قوله: افعل في الزمان الثاني