للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ما ذكرتموه معارض بدليل آخر، وهو: أن الأمر عبارة عن إلزام الفعل، وفي إلزام الفعل من غير وجود المأمور عبث؛ فإن من جلس في الدار يأمر وينهى، من غير حضور مأمور، ومنهي، عد سفيها مجنونا، وذلك على الله محال.

والواجب: قوله: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن الإخبار، قلنا: من أصحابنا من قال ذلك، وكذلك أمر الله تعالى عبارة عن إخباره بنزول العقاب على من يترك الفعل الفلاني، إلا أن هذا مشكل من وجهتين:

أحدهما: أنا بينا فيما تقدم: أنه لو كان الأمر عبارة عن هذا الإخبار، لتطرق التصديق والتكذيب إلى الأمر، ولامتنع العفو عن العقاب على ترك الواجبات؛ لأن الخلف في خبر الله تعالى محال.

الثاني: أنه لو أخبر في الأزل، لكان: إما أن يخبر نفسه، وهو سفه، أو غيره؛ وهو محال؛ لأنه ليس هناك غيره.

ولصعوبه هذا المأخذ، ذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب التميمي من أصحابنا إلى أن كلام الله تعالى في الأزل لم يكن أمرا، ولا نهيا، ثم صار فيما لا يزال كذلك.

ولقائل أن يقول: إنا لا نعقل من الكلام إلا الأمر، والنهي، والخبر، فإذا سلمت حدوثهما، فقد قلت بحدوث الكلام.

فإن ادعيت قدم شيء آخر، فعليك البيان بإفادة تصوره، ثم إقامة الدلالة على أن الله تعالى موصوف به، ثم إقامة الدلالة على قدمه.

وله أن يقول: أعني بالكلام القدر المشترك بين هذه الأقسام، ويمكن الجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>