للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: " وجد في زمانه صلى الله عليه وسلم من يبلغ إلينا، أما في الأزل فليس ثم أحد، فكان ذلك الأمر عبثا ".

قلنا: ذكر العبث في هذا المقام من قاعدة الحسن والقبح، ونحن نمنعه، سلمناه، ولكن القبيح أن يتكلم الإنسان بكلامه اللساني، وليس هناك من يسمعه، فهذا قبيح عرفا، أما جلوس الإنسان في خلوته مفكرا في أمر معاده ومعاشه، ولا يكون هنالك أحد فهذا ليس قبحا، بل أجود الفكرة حال الخلوة، ولا معنى للفكرة إلا الكلام النفساني وأنواع الإخبارات، ونحن ما ندعي في الأزل إلا الكلام النفساني الذي لا يقبح حالة عدم الغير، فلا عبث حينئذ على قاعدتنا ولا على قاعدة المعتزلة في الحسن والقبح.

وبهذا التقرير يظهر بطلان قولهم: لو قعد الإنسان في بيته يأمر وينهى، وليس هنالك أحد كان عبثاً.

قوله: " الأمر إلزام للفعل، وإلزام الفعل من غير موجود مأمور محال ".

قلنا: هذه مغالطة، ما ألزم الفعل إلا الموجود؛ لأنه تعالى إذا ألزم في الأزل المكلف على تقدير وجوده، فما ألزمه إلا حالة وجوده، ولم يلزمه حالة عدمه شيئا، ففرق بين إلزام المعدوم إذا وجد حالة وجوده وبين إلزام المعدوم حالة عدمه، المحال إنما هو في الثاني دون الأول، ونحن لا نقول بالثاني فلا محال حينئذ.

قوله: " لو أخبر في الأزل فأما أن يخبر بنفسه، وهو محال ".

قلنا: لا نسلم أنه محال؛ لأن كل عاقل يسند في فكره طول ليله ونهاره، ولا معنى للإسنادات إلا الإخبارات، ومع ذلك أجمع العقلاء على حسنه، فلا يكون في حق الله تعالى قبيحا، بل الله تعالى عالم بجميع معلوماته، ويخبر عن كل معلوم بخصائص صفاته وأحواله، وذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>