إشارة إلى قاعدة وهي أن العرب تجعل القائل للشيء كالمتصف به، وورد القرآن الكريم منه مواضع، منها: قوله تعالى: {وما يكون لنا أن نعود فيها}[الأعراف: ٨٩] مع أنهم لم يكونوا في الملة الكافرة، والعود فرع الكون، وكذلك قولهم:{أو لتعودن في ملتنا}[الأعراف: ٨٨]، لكن لما كان الناشيء بين قوم كفار شأنه أن يكون على ملتهم بمقتضى العادة، فهم قائلون لذلك من هذا الوجه جعلوا كالمتصفين بذلك، باعتبار إطلاق لفظ العود.
ومنها: قوله تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها}[السجدة: ٢٠] مع أنهم لم يخرجوا منها حتى يتصور العود، لكن لما كانوا في غاية بذل الجهد في الخروج منها كالخارجين منها؛ لأن ذلك شأن المجتهد.
ومنها: قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة}[البقرة: ١٧٥] وشأن البائع أن يكون حائزا لما باعه، وهم لم يهتدوا قط، ولا غفر لهم، لكن لما كانوا متمكنين من ذلك عوملوا معاملة المتصفين به، وكذلك - هاهنا - جعل المجنون والنائم لأجل القبول، كأنه وقع له التكليف ثم رفع.
وقوله:" خطاب الوضع غير خطاب التكليف ".
معناه: أن خطاب الوضع الذي تقدم بسطه أول الكتاب لا يشترط فيه علم المكلف ولا قدرته، فذلك يورث بالأسباب، ويطلق بالاعتبار، والإصرار مع عدم العلم وعدم القدرة، وخطاب التكليف يشترط فيه العلم بالخطاب، والقدرة على فعل المكلف به، وكونه مكتسبا، وقد تقدم بسط هذه المباحث أول الكتاب عند قوله: لله تعالى في الزاني حكمان.
وإذا كان التضمين من باب خطاب الوضع، فلا يضر عدم العلم، لكن كلامه يقتضي أنه سلم أن الصبي مخاطب، وكلام المصنف يقتضي أن المخاطب هو الولي، وهو الصحيح.