فإذا قال الله تعالى:{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}[الأنعام: ١٥١] فعلى تقدير كون اللفظ موضوعا للمجموع، يكون معنى الآية:" لا تقتلوا مجموع النفوس "، فمن قتل الإماء من النفوس، لا يصدق عليه أنه قتل مجموع النفوس، فلا يكون عاصيا؛ لانه لم يقتل المجموع، فظهر أنه لو كان المجموع، لما أمكن الاستدلال به على ثبوت حكمه بكل فرد من افراده، فلا يكون اللفظ على هذا التقدير للعموم، هذا خلف، وهذا بخلاف الأمر بالمجموع، او الإخبار عن ثبوت المجموع؛ لأن وجوب المجموع يقتضي وجوب كل افراده، والإخبار عن ثبوته يقتضي أنه لا يصدق إلا بثبوت كل أفراده؛ فظهر الفرق بين النهي والنفي، وبين الأمر وخبر الثبوت.
وأما ان صيغة العموم لا تكون موضوعة للمشترك بقيد العدد؛ لأن مفهوم العدد أمر كلي، ومفهوم المشترك كلي.
والقاعدة: أن إضافة الكلي إلى الكلي يقتضي أن المجموع كلي، فيكون موضوع العموم على هذا التقدير كليا، فيكون مطلقا، وهو باطل لما تقدم.
وأما المشترك بقيد يسلب النهاية، فباطل أيضا؛ لأن المعنى حينئذ:" لا تقتلوا النفوس " بقيد سلب النهاية، فمن قتل العالم يخالف هذا النهي، فيئول البحث إلى تعذر الاستدلال بنفي النفي، والنهي دون الأمر، وخبر الثبوت، وقد تقدم إبطاله، وإذا بطلت هذه الأقسام كلها، أشكل حينئذ مسمى لفظ العموم غاية الإشكال، ويظهر أنه يلزم مما يتخيل فيها ثلاثة أمور:
الاشتراك، والإطلاق، أو تعدد الاستدلال بها في النفي والنهي؛ فجميع ما يتخيل من هذا القبيل لا يخرج عن هذه الأمور الثلاثة، وحينئذ يتعين كشف الغطاء عن المعنى الذي وضعت له صيغة العموم.
فأقول: إن صيغة العموم موضوعة للقدر المشترك مع قيد يتبعه بحكمه في جميع موارده.