قلنا: نسلم أنه لابد من فرق؛ لكن لا نسلم أن هلا فرق غلا ما ذكرتموه.
سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على الوجوب؛ لكن معنا ما يدل على أن الصحة كافية؛ وبيانه من وجهين:
الأول: أن الصحة أعم من الوجوب، فيكون حمل اللفظ على الصحة حملا له على ماهو أعم فائدة.
الثاني: ان القائل، إذا قال لغيره:" أكرم جمعا من العلماء، واقتل فرقة من الكفار " حسن أن يستثني كل واحد من العلماء، والكفار؛ فيقول:" إلا فلانا، وفلانا " ولو كان الاستثناء يخرج ما لولاه لوجب دخوله فيه - لوجب أن يكون اللفظ المنكر للاستغراق.
سلمنا أن ما ذكرتموه يقتضي أن تكون صيغة (من) للعموم؛ لكن لا يجب ان يكون الأمر كذلك.
بيانه: ان الاستدلال بالمقدمتين المذكورتين على النتيجة، إنما يصح لو ثبت أنه لا تجوز المناقضة على واضع اللغة؛ إذ لو جازت المناقضة عليه، جاز أن يقال: إنهم حكموا بهاتين المقدمتين اللتين توجبان عليهم أن يحكموا بأن صيغة (من) للعموم، ولكنهم لعلهم لم يحكموا بها؛ لأنهم لم يحترزوا عن المناقضة؛ بلى، لو ثبت أن اللغات توقيفية، اندفع هذا السؤال.
سلمنا أن صحة الاستثناء من هذه الصيغ دالة على أنها للعموم؛ لكنها تدل على أنها ليست للعموم من وجه آخر؛ وذلك لأنها لو كانت للعموم، لكان الاستثناء نقضا؛ على ما يسيأتي تقريره، إن شاء الله تعالى.