قوله:" لو لم تكن النكرة (في النفي) للعموم، لما كان قولنا: " لا إله إلا الله " إثباتا للإلهية الله تعالى، ولا يوجب ذلك إسلامنا؛ لأنه يكون تعطيلا حينئذ ".
قالوا في الجواب عن هذا السؤال: إن المقصود الشرعي حصل من هذه الصيغة بالقرائن مع اللفظ، لا باللفظ مجردا، ومن القرائن الظاهرة كون كل أحد يعلم أن المقصود الشرعي هو المقصود من هذه العبارات، وأن المطلوب إنما هو إثبات الوحدانية؛ فيمكن أن يقال ذلك الجواب هاهنا، ونقول: ليس مجرد اللفظ كافيا في نفي كل إله، بل اللفظ مع القرائن؛ لأن المقصود من جميع الخلائق على ألسة الرسل، إنما هو التوحيد، وقد اشتهر ذلك غاية الشهرة؛ فكان هذا من القرائن الدالة على أن المتكلم، إنما أراد هذا المعنى.
قوله:" النكرة في سياق الإثبات لا تعمم، إذا كانت خبرا؛ نحو: " جاءني رجل " فإن كان أمرا، فالأكثر أنها للعموم؛ كقوله: " أعتق رقبة " فإنه يخرج عن العهدة بفعل أيها كان "؟
قلنا: هذا كلام غير متجه جدا؛ لأنه إذا خرج عن العهدة بأي رقبة كانت، كان اللفظ مطلقا، وأنتم أول العموم قلتم: المطلق قسيم العام " وقسيم الشيء لا يصدق عليه، بل هذا الكلام بعينه يقتضي أنها ليست للعموم؛ لأنها لو كانت للعموم، لما خرج عن العهدة إلا بعتق رقاب الدنيا، ويجب عليه أن يعتق ما بقى آخر الدهر؛ لقوله تعالى:{فاقتلوا المشركين}[التوبة: ٥] يجب قتل جميع المشركين الذين على وجه الأرض، ما بقينا آخر الدهر، فهذا يدل قطعا على أنها ليست للعموم، ثم من العجب تفريقكم بين الأمر والخبر؛ بأنه يخرج عن العهدة في الأمر بأي رقبة كانت، وكذلك يخرج عن عهدة الخبر، في صدقه بأي رجل كان؛ فلا معنى لهذا الفرق، بل الحق أن النكرة في سياق الإثبات مطلقة لا عموم فيها،