ومعناهما: أن غالب الجن إنما يعيش بالروائح من الأغذية دون أجزائها، قاله الغزالي في (الإحياء) وغيره.
قالوا: وكذلك أغذيتهم من العظام، ونحن نجد أنفسنا في الدهور تقوم على العظام لا تنقص أجزاؤها، ولا تذهب عن مواضعها، ومن الناس من ينقل ذلك عن جميعهم، ومنهم من يقول: هم فرق.
قال ابن منبه فيما يروى عنه: إن منهم من يتغذى بأجرام الأغذية، وهم الليعون منهم، ومنهم من يتغذى بالروائح، وهم الروحانيون منهم، وهم مختلفو الخلق والأخلاق، والأطوار؛ ولذلك قال الله تعالى:{وأنا منا الصالحون، ومنا دون ذلك؛ كنا طرائق قددا}[الجن: ١١] ".
فهؤلاء الجن الواردون على هذا الشاعر، كانوا لا يتغذون بأجرام الأغذية، بل بروائحها، ولا شك أن مباشرة الجرم أعظم في اللذة، وكذلك المريض العاجز والصائم، يشمان الأغذية، فيجدان بها قوه وراحة ولذة، ولكن لو قدروا على تناول الأجرام، لما اقتصروا على الروائح؛ فلذلك حسدوا هذا الحي على أجرام الأغذية.