وأما في الدليل: فقوله عليه السلام: " فيما سقت السماء العشر " يحتمل أن يريد وجوب الزكاة في كل شيء حتى الخضروات كما قاله أبو حنيفة، ويكون العموم مقصودا له عليه السلام لأنه تعلق بلفظه الدال عليه، وهو صيغة (ما) ويحتمل أنه لم يقصده؛ لأن القاعدة: أن اللفظ، إذا سيق لبيان معنى، لا يحتج به في غيره، فإن داعية المتكلم مصروفة لما توجه له دون الأمور التي تغايره، وهذا الكلام، إنما سيق؛ لبيان المقدار الواجب، دون بيان الواجب فيه، فلا يحتج به على العموم في الواجب فيه، وإذا تعارض الاحتمالان، سقط الاستدلال به على وجوب الزكاة في الخضروات، هذا في الأدلة العامة.
وأما في وقائع الأحوال: فكما جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي جاء يضرب صدره، وينتف شعره:" أعتق رقبة " فيحتمل أن يكون أمره بذلك؛ لكونه أفسد صومه، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لكونه أفسده بالجماع، أو لكونه أفسد مجموع الصومين، كل هذه احتمالات مستوية بالنسبة إلى ما دل اللفظ عليه، ولا يتعين أحدها من جهة اللفظ، بل من جهة مرجحات العلل، وقوانين القياس، فهذه احتمالات في نفس الدليل؛ فيسقط الاستدلال به؛ على ما الاحتمالات فيه متقابلة.