وقد فهم جماعة من أئمة الحديث وغيرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم في بئر (بضاعة) بالطهورية، حتى قال بعضهم:(دخلت إلى البستان الذي فيه البئر بالمدينة، فوجدته صغيرًا): ذكر مساحته، ثم قال: قيل: هذه المساحة لا يضرها التغير؛ لأنه- عليه السلام- حكم له بالطهورية مع قولهم:(إنه يلقي فيه الجيف والنتن) ذكره أبو داود، وهذا غير متجه لمن تأمل وجه الصواب.
قوله:(أعم من غير ما سئل عنه، لقوله- عليه السلام- لما سئل عن البحر: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته):
تقريره: أنه ليس هاهنا لفظ مفرد هو أعم من ماء البحر، بل مجموع اللفظين الماء، والميتة هو الأعم من السؤال، فالجواب أعم من السؤال.
قوله:(لو صرح الشارع بحمل اللفظ على عمومه، لجاز):
قلنا: لا نزاع في الجواز، بل في الطهور؛ فالخصم يدعي أن اللفظ ظاهر في القصر على السبب؛ كظهور اللفظ في الحقيقة دون المجاز، مع أن التصريح بالمجاز جائز إجماعًا، بل المفيد أن يقولوا: لو صرح بحمل اللفظ على عمومه، لم يكن ذلك مخالفة للظاهر، فهذا هو محل النزاع.
قوله:(حملوا آية السرقة وغيرها على العموم، ولم يقل أحد: إن ذلك خلاف الأصل):
قلنا: إن ادعيتم أن أحدًا لم يعتقد ظهور اللفظ في اختصاصه بسببه، فهذا مصادرة، فالمسألة ليس فيها إجماع، لا في السلف، ولا في الخلف، فدعوى الإجماع باطلة قطعًا، وإن ادعيتم أنه لم يقل أحد: إن ذلك خلاف القرائن المرشدة لحمل تلك العمومات على عمومها فمسلم، ولكن لا نزاع عند قيام القرائن، إنما النزاع عند التجرد عن القرائن؛ فإن الأصل يراد به الظاهر الراجح، وقد يكون الرجحان للقرائن، وقد لا يكون لاقتضاء السبب، والسؤال المتقدم كذلك.