قال الرازي: اختلفوا في أن العموم إذا تعقبه استثناء، أو تقييد بصفة أو حكم وكان ذلك لا يتأتي إلا في بعض ما يتناوله، هل يجب أن يكون المراد بذلك العموم- ذلك البعض فقط، أم لا؟
مثال الاستثناء قوله تعالى:{لا جناح عليكم، إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن، أو تفرضوا لهن فريضة}[البقرة: ٢٣٦] ثم قال عز وجل: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون}[البقرة: ٢٣٧] فاستثني العفو، وعلقه بكناية راجعة إلى النساء.
ومعلوم أن العفو لا يصح إلا من المالكات لأمورهن دون الصغيرة والمجنونة، فهل يجب أن يقال: الصغيرة والمجنونة غير مرادة بلفظ النساء في أول الكلام؟
مثال التقييد بالصفة: قوله تعالى: {يأيها النبي، إذا طلقتم النساء، فطلقوهن لعدتهن}[الطلاق: ١] ثم قال: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا}[الطلاق: ١] يعني الرغبة في مراجعتهن، ومعلوم أن ذلك لا يتأتي في البائنة.
ومثال التقييد بحكم آخر: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}. ثم قال:{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}[البقرة: ٢٢٨] وهذا أيضًا لا يتأتي في البائن.
إذا عرفت هذا، فنقول: ذهب القاضي عبد الجبار إلى أنه لا يجب تخصيص ذلك العموم بتلك الأشياء، ومنهم: من قطع بالتخصيص، ومنهم: من توقف؛ وهو المختار.