قال متأخروهم: إرادة التحقيق تحمل على المكاتبة؛ لأنها تستحق المهر.
قال: فأكثر أصحابنا قبل هذا التأويل، ورده القاضي والشافعي؛ لأن أدوات الشرط غاية، فتخصيصها بغير دليل لا يصح، لا سيما في ابتداء تأسيس القواعد منه صلى الله عليه وسلم.
قال المازري في (شرح البرهان): إذا تأكد العموم، يمتنع تخصيصه، وهاهنا قد أكد بقوله:(باطل باطل باطل) ثلاث مرات، ورد عليه أن التأكيد لا يمنع المجاز، ولا التخصيص؛ لأن قوله تعالى:{وكلم الله موسى تكليمًا}[النساء: ١٦٤] مؤكد بالمصدر، وهو مجاز خلافًا للأكثرين؛ لأن تكليم الله - تعالى - خلق علمًا ضروريًا في نفس موسى - عليه السلام - أو غيره تكون نسبته إلى ما قام بذات الله - تعالى - كنسبة السماع للأصوات، وخلق العلم في اللغة لا يسمى تكليمًا في اللغة حقيقة، بل مجازًا؛ من مجاز التشبيه من جهة استواء النسبة.
وكذلك قوله تعالى:{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}[الأحزاب: ٣٣] مصدر مؤكد، ومع ذلك فالتطهير هاهنا ليس إزالة النجاسة حقيقة، إنما هي معنوية، فهو مجاز مع التأكيد، والمجاز أبعد من التخصيص، فجواز التخصيص أولى.
وكقوله تعالى:{إن الله يغفر الذنوب جميعًا}[الزمر: ٥٣] مع أنه مخصوص بالكفر إجماعًا، وبأحاديث الشفاعة، فإنها دلت على دخول جماعة النار، ولا مغفرة مع العذاب.
وأكثر المتقدمين يشيرون إلى أن التأكيد يمنع المجاز، فأردت أن أعرف أن الواقع خلافه، ويقولون: التكليم في الآية يجب أن يكون حقيقة؛ لأنه أكد بالمصدر، والأمر كما ترى.