أن صحيح مذهبنا جواز تكليف ما لا يطاق، فلا جرم يلزم أن الصحيح جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة فضلاً عن وقت الخطاب.
(البحث الثاني)
أن الجهل جهلان: جهل بسيط، وجهل مركب، فالجهل البسيط: أن يجهل، ويعلم أنه يجهل؛ كمن سئل عن شعر رأسه، هل هو جاهل بعدده أم لا؟ يقول: أعلم، وأقطع أني جاهل به. فهذا جهل بسيط.
والجهل المركب: أن يجهل، ويجهل أنه يجهل؛ كاعتقادات الكفار وأرباب الأهواء ونحوها، فإنهم جهلوا الحق في نفس الأمر، وإذا قيل لهم: أنتم جاهلون أم لا؟ يقولون: نحن على علم ويقين في ذلك، فقد جهلوا الحق، وجهلوا جهلهم.
وكذلك من اعتقد أن زيدًا في الدار، وليس هو في الدار، وأنه صالح، وهو غير صالح، أو بالعكس.
وقد جمع المتنبي في ديوانه لشخص واحد ثلاث جهالات فقال [الطويل]:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله .... ويجهل علمي أنه بي جاهل
(البحث الثالث)
أن الجهل المركب أعظم مفسدة؛ لأنه يمنع النظر في الحق والسعي في تحصيله، ويكون الجاهل فيه مفرطًا بالدخول فيه؛ فإنه لو اشتد تحرزه، لم يكن كذلك، ولأنه ليس من لوازم الخلق، فإن من الجائز على المخلوق أن