وضع الحقيقة الشرعية: أن لفظ القرآن متواطئ بين الكل والبعض، فلا يكون ظاهرًا في الكل، ويؤكده قوله تعالى:{لا تحرك به لسانك لتعجل}[القيامة: ١٦] والنهي إنما يتناول المستقبل، والمستقبل بعد هذا النهي، إنما هو بعض القرآن، وغيره من الضمائر ملحق به، لأن الأصل أن الضمائر تنسيق للتساوي.
قوله:(الآية تدل على وجوب تأخير البيان):
تقريره: ليس المراد - هاهنا - الوجوب الشرعي الذي هو خطاب الله - تعالى - بل المراد الوجوب العقلي الناشيء عن الخبر، فإن الله - تعالى - أخبر عن تأخير البيان؛ لكونه ورد بلفظ (ثم) الدالة على التراخي.
وإذا قال القائل: جاء زيد فعمرو، فقد أخبر بالتعقيب، أو (ثم عمرو) فقد أخبر بالتراخي، أو (وعمرو) فقد أخبر بمطلق التشريك فقط، فيكون الله - تعالى - مخبرًا عن تأخير البيان، فيكون واجبًا عقلاً؛ لن خبر الله - تعالى - واجب المطابقة عقلاً، وباتفاق الأمم؛ غير أن الآية ظاهرة في هذا الوجوب، ليست قطعًا فيه؛ لأن خبر الله - تعالى - وإن كان واجب الصدق - غير أن اللفظ قابل للتخصيص، والتخصيص لا يحل بوجوب الصدق؛ لأن أيا فيما قصده المتكلم بالخبر والمخصوص لم يقصد فيه الإخبار عن ظاهره، فلا تنافي بين قبول التخصيص، ووجوب الصدق.
قوله:(والجواز لم تدل عليه الآية):
قلنا: لا نسلم؛ لأن الجواز له معنيان: الإمكان الخاص، والإمكان العام، والجواز بالمعنى العام لا ينافي الوجوب العقلي، بل هو شامل للوجوب والاستحالة، والجواز بخلاف الإمكان الخاص، وقد تقدم بسطه في الحسن والقبح، حيث فات في علم الله - تعالى - أن وجوبه لا ينافي صحته.