والعادة: أن صورة النزاع يشار إليها بالقريب، والمنظر به يشار إليه بالبعيد، وأنتم هاهنا قررتم أن الملزوم الموجب هو المفسدة في صورة النزاع، فكان حق الدليل أن يكون هكذا، لو امتنع هاهنا لإيهام العموم، وهو جهل، لامتنع هناك في النسخ، لإيهامه عموم الأزمان، ثم تقولون: فعدم الجواز هاهنا يقتضي عدم الجواز هناك؛ لأن وجود الملزوم هو الذي يوجب وجود اللازم، ثم تقولون: لكن عدم الجواز هنالك باطل إجماعًا، فينتفي ملزومه، وهو عدم الجواز هاهنا.
أما قولكم:(عدم الجواز هناك يقتضي عدم الجواز هاهنا) فعكس مقصود النظم؛ لأنكم جعلتم الملزوم ينشأ عن اللازم، وليس كذلك، واعتبرت عدة نسخ، فوجدتها هكذا، وصوابه: فعدم الجواز هاهنا يقتضي عدم الجواز هناك.
ثم ما ذكرتموه من الملازمة غير مسلم؛ لأن الفرق: أن تعجيل الإعلام بالنسخ يفضي إلى إبطال حقيقة النسخ، ويكون الفعل ينتهي بوصوله لغايته لا بالناسخ، ولا يصير يقبل النسخ؛ كما لو قال الله تعالى:{ثم أتموا الصيام إلى الليل}[البقرة: ١٨٧] لا يتصور أن يقال: إنه نسخ الصوم عند دخول الليل، بل انتهى بغايته بانقطاع سبب التكليف.
قلنا: هذا الكلام فيه بعد عما نحن فيه؛ لأن ظاهره يقتضي أن حكم الخطاب مرتفع بعد الموت، وكذلك حصل الجواب عنه من المصنف بما يقتضي هذا، مع أن خروج ما بعد الموت ليس من باب النسخ في شيء، بل ذلك تخصيص، فإن النسخ إنما يتصور فيه أن لو اعتقدنا أن الله - تعالى - أراده، ولا يتصور ذلك، بل نحن نعتقد أن الشرائع كلها ما أراد الله - تعالى - بقاء شيء منها يجري حكمه التكليفي على الموتى، كما كانوا في الحياة، فهذا كلام حائد عن الملازمة المتقدمة.