وهذه قاعدة مشهورة؛ منع الاستحالة العقلية بهذا التفسير، وإنما تقع الاستحالة بعد ذلك الغير من سمع، أو علم، أو قضاء، وقدروا التحسين العقلي، والأكثرون ليسوا عليه، فلم يبق إلا غيره، لذلك قال المازري في (شرح البرهان): الأنبياء كالبشر يجوز عليهم ما يجوز على البشر، إلا ما دلت المعجزة على نفيه، وقالوا: نعم، إن هذا لا يجوز علينا، فيمتنع حينئذ.
وأما عصمة الصحابة، وآحاد الأمة الذين لم يصدر مهم عاص خاصة، وقولهم: من العصمة ألا يحد فهو متعلق ثلاثة أمور فقط: العلم، والإرادة، والخبر النفساني؛ لأنه من لوازم العلم، وهو معنى قول العلماء: كل عالم مخبر عن معلومه، وليس في حقهم خبر لساني، أي: لم ينزل نص من الله- تعالى- أن فلانًا لا يصدر منه كذا من المعاصي، فهذا التقييد الذي هو الكلام اللساني امتازت به الملائكة والأنبياء- عليهم السلام- ومجموع الأمة.
وأما أصل الامتناع، فمشترك، بل ما من أحد إلا وقد عصمه الله- تعالى- من معصيته، وليس أحد من خلق الله- تعالى- جمع بين جميع المعاصي؛ بحيث لا تبقى معصية مقصودة، إلا وقد وقع فيها فتحصل، له في عصمة الأمور الثلاثة المتقدم ذكرها، فيمتاز الامتناع في حق الله- تعالى- بأنه لذاته وتعذر الإرادة فيه.
وتمتاز عصمة الأنبياء والملائكة- عليهم السلام- ومجموع الأمة بالخبر اللساني، ويبقى الخبر النفساني، والعلم، والإرادة مشتركًا بين المواطن كلها في الاستحالة على الله- تعالى- وعلى غيره.
فهذا تلخيص هذه العصم والاستحالات، وما اشتركت فيه، وما امتازت به، فمتى قلنا: الأنبياء معصومون، نريد الخبر اللساني بالنصوص السمعية، ومتى قلنا: إن فلانًا عصم من ذكا؛ نريد به معنى آخر، وهي الأمور الثلاثة المتقدم ذكرها.