والثاني: أن عمر رضي الله عنه طالع ورقة من التوراة، فغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال:" لو كان موسى حيا، لما وسعه إلا اتباعي " ولما لم يكن كذلك، علمنا أنه لم يكن متعبدا بشرع أحد.
فإن قيل: الملازمة ممنوعة؛ لاحتمال أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم علم في تلك الصور: أنه غير متعبد فيها بشرع من قبله، فلا جرم توقف فيها على نزول الوحي، أو لأنه عليه الصلاة والسلام علم خلو شرعهم عن حكم تلك الوقائع، فانتظر الوحي.
أو لأن أحكام تلك الشرائع، إن كانت منقوله بالتواتر، فلا يحتاج في معرفتها الى الرجوع إليهم، وإلى كتبهم، وإن كانت منقولة بالآحاد لم يجز قبولها؛ لأن اولئك الرواة كانوا كفارا، ورواية الكافر غير مقوبلة.
سلمنا الملازمة، لكن قد ثبت رجوعه إلى التوراة في الرجم، لما احتكم إليه اليهود.
والجواب: قوله: " إنما لم يرجع إليها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنه غير متعبد فيها بشرع من قبله ":
قلنا: فلما لم يرجع في شيء من الوقائع إليهم؛ لوجب أن يكون ذلك لأنه علم أنه غير متعبد في شيء منها بشرع من قبله.
قوله " إنما لم يرجع إليها، لعلمه بخلو كتبهم عن تلك الوقائع ":
قلنا: العلم بخلو كتبهم عنها، لا يحصل إلا بالطلب الشديد، والبحث الكثير، فكان يجب أن يقع منه ذلك البحث والطلب.
قوله:" ذلك الحكم: إما أن يكون منقولا بالتواتر، أو بالآحاد ".