وقد تكون مصلحته متوزعة على أجزاء كسقي العطشان، وإطعام الجوعان، وكسوة العريان؛ فإن كل جزء من ذلك يحصل جزءًا من الريّ، أو الشبع، أو الستر، ففي القسم الأول مقتضى مذهبهم المنع لعدم حصول المصلحة.
وفي الثاني: الجواز لحصول بعض المصلحة المحسنة للأمر، وخروجه عن العبث بذلك، كما انعقد الإجماع على حسن النهي عن القطرة الواحدة من الخمر مع أن الإسكار لا يحصل إلا بعدة من القطرات، لكنه لا يتعين له بعضها دون بعضها، بل هو متوزع عليها، فكذلك هاهنا، وتنزل الأخرى منزلة الجزئيات.
(المسألة الرابعة)
فكما لا يمتنع النسخ، وإن فاتت المصلحة في الجزئيات المستقبلة، واكتفى بحصولها في الجزئيات الماضية، كذلك يكتفى ببعض الأجزاء، غير أن هاهنا فرقًا أمكن ملاحظته، وهو أن المصلحة في الجزئيات الماضية مصالح تامة أمكن أن يقصدها العقلاء قصدًا كليًا دائمًا بخلاف جزء المصلحة في نقطة الماء ولبابة الخبز ونحوهما فإن القصد إليها نادر، مع هذا الفرق أمكن أن يقولوا بالمنع في هذا القسم مطلقًا من غير تفصيل، إذا تقرر هذا، فأقول: المصنف - رحمه الله - فهرس المسألة بقوله:(قبل مضي الوقت) وذلك يحتمل الأقسام الثلاثة الأول، ثم مثلها بما إذا أمرنا أول النهار بركعتين عند غروب الشمس، ونسختا عند الزوال، وهذا التمثيل بعين المسألة الأولى، ثم استدل في المسالة بذبح إسماعيل - عليه السلام - وهو من المسألة الثانية؛ فإن ذبح إسحق - عليه السلام - لم يجعل له وقت مستقبل، فلم يطابق دليله تمثيله، ولا مقصوده المسألة، بل كان ينبغي له أن يفرض كل مسألة وحدها، بل وقع البحث غير ملخص، متدافعًا.
قوله:"لنا: أن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح إسماعيل عليهما السلام".