والجواب عن الأول: أن الفرق بين النسخ والتخصيص واقع بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وللخصم أن يمنع وجود هذا الإجماع، كما سبق.
وعن الثاني: أن المتواتر مقطوع في متنه، والآحاد ليس كذلك؛ فلم لا يجوز أن يكون هذا التفاوت مانعًا من ترجيح خبر الواحد؟
وأما الآيات: فقوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا}[الأنعام: ١٤٥] إنما يتناول الموحى إليه إلى تلك الغاية، ولا يتناول ما بعد ذلك، فلم يكن يكن النهي الوارد بعده نسخًا.
وعن الثانية: أنا إنما خصصنا قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}[النساء: ٢٤] بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح المرأة على عمتها) لتلقى الأمة هذا الحديث بالقبول، وأيضُا غير ممتنع أن يكون الخبر مقارنًا، فقبلوه مخصصا، لا ناسخًا.
وعن الثالثة: أنه يجوز أن يصدر الإجماع عن خبر، ثم لا ينقل ذلك الخبر أصلًا؛ استغناء بالإجماع عنه، وإذا جاز ذلك، فالأولى أن يجوز أن يصدر إجماعهم عن خبر، ثم يضعف نقله؛ استغناء بالإجماع عنه.
وإذا كان كذلك، لم يمتنع أن يكون هذا الخبر مقطوعًا به عندهم، ثم يضعف نقله؛ لإجماعهم على العمل بموجبه، وهذا هو الجواب أيضًا عن الرابعة.
والجواب عن الحجة الرابعة: لعل رسول الله عليه الصلاة والسلام أخبرهم بذلك قبل وقوع الواقعة، ففلهذا قبلوا الخبر، أو لعله انضم إليه من القرائن ما أفاد العلم، نحو كون المسجد قريبًا من الرسول عليه الصلاة والسلام وارتفاع الضجة في ذلك.