من الوصية؛ ولأن قوله صلى الله عليه وسلم:(لا وصية لوارث) خبر واحد؛ إذ لو قلنا: إنه كان متواترًا، لوجب أن يكون الآن متواترًا؛ لأنه خبر في واقعة مهمة تتوفر الدواعي على نقله، وما كان كذلك، وجب بقاؤه متواترًا ن وحيث لم يبق الآن متواترًا، علمنا أنه ما كان متواترًا في الأصل، فالقول بأن الآية صارت منسوخة به، يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد، وإنه غير جائز بالإجماع.
واحتج الشافعي رضي الله عنه بأمور:
الأول: قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها او مثلها}[البقرة: ١٠٦] والاستدلال من وجوه أربعة:
أحدها: أنه تعالى أخبر أن ما ينسخه من الآيات يأتي بخير منه، وذلك يفيد أنه تعالى ياتي بما هو من جنسه، كما إذا قال للإنسان:(ما آخذ منك من ثوب، آتك بخير منه) أنه يأتيه بثوب من جنسه خير منه، وإذا ثبت أنه لا بد وأن يكون من جنسه، فجنس القرآن قرآن.
وثانيها: أن قوله تعالى: {نأت بخير منها} يفيد: أنه هو المتفرد بالإتيان بذلك الخير، وذلك هو القرآن الذي هو كلام الله تعالى دون السنة، التي يأتي بها الرسول عليه السلام.
وثالثها: أن قوله تعالى: {نأت بخير منها} يفيد: أن المأتي به خير من الآية، والسنة لا تكون خيرا من القرآن.
ورابعها: أنه تعالى قال: {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}[البقرة: ١٠٦] دل على أن الذي يأتي بخير منها هو المختص بالقدرة على إنزاله، وهذا هو القرآن دون غيره.