أمكن أن يقال: إن الله تعالى أراد به هذه الغاية، فلا تعارض بين الناسخ والمنسوخ في نفس الأمر باعتبار الإرادة، والمراد من النص.
أما القياس فمبني على الحكم والمصالح، فالمصلحة إن كانت باقية، ثم حكم الإجماع على خلافها كان هذا تعارضًا بينا أكثر من التعارض في النصوص؛ لكونه معارضًا في نفس الأمر، بخلاف النصوص إنما هو باعتبار الظاهر.
قوله في القسم الأول:"إن المنسوخ إما الكتاب، أو السنة، أو القياس".
قلنا: سؤال كون الإجماع لا ينسخ به مع أنه يخصص به مشكل؛ لأنه في التخصيص لا بد له من مستند؛ لتعذر انعقاده عن غير مستند، فكذلك في النسخ، ويكون ذلك المستند هو الناسخ؛ ولا يكون في نفسه باطلًا لانعقاده بالناسخ، وكلاهما تخصيص، فما الفرق؟ وكون النسخ أقوى لا يوجب الإحالة كما يخصص الإجماع الكتاب والسنة مع أن الكتاب أقوى، ثم نقول: هذا الحصر غير لازم؛ لاحتمال أن يتمسك الإجماع الثاني بغير ذلك من الاستدلال بنفي خواص الشيء على نفيه، أو ثبوت ملزوماته على ثبوته، أو يفرع على ما يقولونه بعد هذا من الخلاف في انعقاد الإجماع بالبحث، أو العصمة أن يقول الله تعالى لإنسان:(احكم، فمهما حكمت فهو حكمي) فما حكيتموه في المدارك المختلف فيها آخر الكتاب، أو يفرع على أن كل مجتهد مصيب، وأن حكم الله تعالى ما ظهر في الخواطر بعد بذل الجهد، وجاز انعقاد الإجماع الأول على نوع من الاستدلال المذكور، وانعقاد الثاني على نوع منه، ونحن إذا فرعنا على أن كل مجتهد مصيب، صح ذلك؛ فإنه من المحال أن يكون كل واحد مصيبًا، وكل واحد منهم حكم بالدليل الراجح؛ فإن الراجح في نفس الأمر واحد لا تعدد فيه، بل بعضهم بالراجح، وبعضهم بالمرجوح، وإذا تصور ذلك في المجتهدين تصور في الإجماعين، ويكون أحدهما عن الراجح، والآخر عن المرجوح،