العلم بكونه نبيًا؛ وشيء من هذه الأنواع من الكفر لا ينافي العلم بوجوب الإجماع.
سلمنا هذه المنافاة؛ فلم قلت: إنها مانعة من التكليف؟
بيانه: أن الله - تعالى - كلف أبا لهب بالإيمان، ومن الإيمان تصديق الله - تعالى - في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه: أنه لا يؤمن فيكون أبو لهب مكلفًا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وذلك متعذر.
وهذا التوجيه ظاهر أيضًا في قوله تعالى:} إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون {[البقرة:٦] فإن أولئك الذين أخبر الله عنهم بهذا الخبر كانوا مكلفين بالإيمان، فكانوا مكلفين بتصديق هذه الآية، وباقي التقرير ظاهر.
سلمنا أن هذه الآية تقتضي المنع من متابعة غير سبيل المؤمنين لا بشرط مشاقة الرسول؛ لكن بشرط تبين الهدى، أو لا بهذا الشرط؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع:
بيانه: أنه - تعالى - ذكر مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرط فيها تبين الهدى، ثم عطف عليها إتباع غير سبيل المؤمنين؛ فوجب أن يكون تبين الهدى شرطًا في التوعد على إتباع غير سبيل المؤمنين؛ لأن ما كان شرطًا في المعطوف عليه يجب أن يكون شرطًا في المعطوف، واللام في الهدى للاستغراق؛ فيلزم ألا يحصل التوعد على إتباع غير سبيل المؤمنين إلا عند تبين جميع أنواع الهدى، ومن جملة أنواع الهدى ذلك الدليل الذي لأجله ذهب أهل الإجماع إلى ذلك الحكم؛ وعلى هذا التقدير لا يبقي للتمسك بالإجماع فائدة.