للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: الأحكام على قسمين:

منها ما لا يثبت إلا للمجموعات، ولا يثبت للآحاد، كالعلم بعدد التواتر، والري بعد شرب القدح، لا يثبت لكل نقطة منه، والشبع بالرغيف، لا يثبت لكل لبابة منه، والجيش يشيل الصخرة العظيمة دون آحاده، وهو كثير في العالم في الأدوية، و [في] الأغذية، والعلاجات ونحو ذلك.

ومنها ما يثبت للآحاد، ولا يثبت للمجموع، عكس الأول، كالألوان؛ فإن مجموع الصقلاب ليس أبيض، بل أفراده فقط؛ لأن البياض يعتمد جسمًا يقوم به، والمجموع فيه صورته ذهنية، لا وجود لها في الخارج، وما لا وجود له في الخارج يمتنع أن يقوم به البياض، وإنما توالي الأفراد في الخارج حتى يخلق الله - تعالى - عقيب ذلك التوالي علمًا في النفس من التواتر مثلا، أو ريا من توالي نقط الماء، أو شبعًا من توالي لباب الخبز، فهذا ممكن؛ لأنه يرجع إلى خلق الله - تعالى - موجودًا عند موجودات أخر، بخلاف قيام الأعراض، والألوان، والطعوم، والروائح، وجميع الصفات الحقيقية تعتمد موضوعات موجودة في الخارج، فتأمل هذا الموضع، وبه يظهر لك بطلان قولهم: (إن مجموع الزنج أسود)، وإن الخطأ إذا جاز على الآحاد جاز على المجموع، بل المجموع يخلق الله - تعالى - عقيبه العلم، ولا يخلقه عقيب الآحاد، ويخلق ظن الصواب عند الآحاد، وتجويز الخطأ، ولا يخلق ذلك عقيب التواتر، فهذا موضع غلط يقل التفطن له.

قوله: (حال الناس تختلف في الأمارة، فيستحيل إجماعهم لأجلها):

قلنا: الأمارة تارة تكون من النظر والاستنباط، فهذه يختلف الناس فيها، وتارة لا يكون الدليل قطعيًا، وتكون الأمارة الظنية خبرًا واحدًا، وقرينة حالية أو مقالية تعلم بالحس، ودلالتها في نفسها ظنية، فيتفق العقلاء عليها بالضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>