وأما إن لم يتوقف على انضمام قيد إليه، فمع ذلك المرجح تارة يوجد الأثر، وتارة لا يوجد، ولم يكن رجحان جانب الوجود على جانب العدم موقوفا على قصد من جهته ولا على ترجيح ألبتة وإلا لعاد إلى القسم الأول وقد أبطلناه.
فحينئذ يكون دخول الفعل في الوجود اتفاقيا لا اختياريا فقد ثبت الإتفاق.
وأما القسم الثالث، وهو أن يكون حصول ذلك المرجح لا من العبد ولا من غيره فحينئذ يكون واقعا لا لمؤثر فيكون حصوله اتفاقيا لا اختياريا.
وأما لو قلنا: إن المتمكن من الفعل متمكن من الترك لكن لا يتوقف رجحان الفاعلية على التاركية على مرجح، فعلى هذا التقدير يكون رجحان الفاعلية على التاركية اتفاقيا أيضا، لأن تلك القادرية لما كانت نسبتها إلى الأمرين على السوية ثم حصلت الفاعلية في أحد الوقتين دون التاركية من غير مرجح ألبتة، كان رجحان الفاعلية منه على التاركية اتفاقيا، فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال القادر يرجح الفاعلية على التاركية من غير مرجح، قلت: هل لقولك يرجح مفهوم زائد على كونه قادرا أو ليس له مفهوم زائد عليه؟!
فإن كان ذلك مفهوما زائدا على كونه قادرا، كان ذلك قولا بأن رجحان الفاعلية على التاركية لا يمكن إلا عند انضمام قيد آخر إلى القادرية فيصير هذا هو القسم الأول الذي تكلمنا فيه.
وإن لم يكن ذلك مفهوما زائدا لم يبق لقولكم:"القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح" إلا أن صفة القادرية مستمرة في الأزمان كلها.