فهذا مما لا يسوغ خلافهم فيه؛ بتفريق ما جمعوا بينهما، إلا أن هذا الإجماع متأخر عن سائر الإجماعات في القوة.
وأما إن لم يكن كذلك، فالحق جواز الفرق لمن بعدهم؛ لأنه لا يكون بذلك مخالفًا لما أجمعوا عليه، لا في حكمٍ، ولا في علة حكمٍ؛ ولأنه لو امتنع الفرق، لكان من وافق الشافعي، رضي الله عنه، في مسألةٍ؛ لدليلٍ، وجب عليه أن يوافقه في كل المسائل.
احتج المانعون من الفصل مطلقًا بوجهين:
الأول: أن الأمة إذا قال نصفها بالحرمة في المسألتين، وقال النصف الآخر بالحل فيهما، فقد اتفقوا على أنه لا فصل بين المسألتين، فيكون الفصل بينهما ردا للإجماع.
الثاني: أن الأمة إذا اختلفت على قولين في مسألتين، فقد أوجبت كل واحدة من الطائفتين على الأخرى أن تقول بقولها، أو بقول الطائفة الأخرى، وحظرت ما سوى ذلك، وذلك بمنع من الفرق بين المسألتين.
والجواب عن الأول: أنكم إن عنيتم بقولكم: (اتفقوا على أنه لا فصل بينهما):
أنهم نصوا على استوائهما في الحكم، أو هما مستويان في علة الحكم - فليس كذلك؛ لأن النزاع ليس هاهنا.
وإن عنيتم به: أن كل من قال بإحدى المسألتين، فقد قال أيضًا بالأخرى، فلم قلتم: إن ذلك يمنع من الفصل؟ فإن هذا أول المسالة.