ومن رد على الله- تعالى- ذلك كفر في الأحكام والأخبار، وجميع الرسائل، وبهذا البحث يظهر لك الفرق بين تكفيرنا لمن جحد الحكم، وعدم تكفيرنا لجاحد الإجماع، فإن جاحد الإجماع راد على الخلق، وطاعن عليهم، وجاحد الحكم راد على الله تعالى.
فإن قلت: جاحد الإجماع راد على الله- تعالى- في إخباره عن عصمة الإجماع، وهذا الإخبار عندكم قطعي، فقد جحد قطعيا.
قلت: مدرك الإجماع وإن كان قطعيا، غير أن الخصم لم يحصل له ذلك الاستقراء التام، كما يعذر من جحد الصلاة، وهو حديث الإسلام، فإنه يعذر، وإنما يتجه التكفير حيث ينتفي العذر.
قوله:(أصول الإجماع لا تفيد العلم، فما يتفرع عليه أولى ألا يفيد العلم):
قلنا: تقدم أن مدرك أصول الفقه قطيعة، وأن كل دليل ذكرنا، فنحن نريده مضافا لما معه في الشريعة من النصوص في الكتاب والسنة، وقرائن الأحوال، وأقضية الصحابة وذلك إذا حصل بالاستقراء أفاد القطع، فالإجماع قطعي، وأصله قطعي، لكن بعض مدركه ليس قطعيا، وذلك لا يقدح في أن المجموع يفيد القطع، ولا في أن المطلوب قطعي.
سلمنا أن المدرك ظني، لكن لا يلزم أن المدلول لا يكون قطعيا، كما تقدم بيانه في الحكم معلوم، والظن واقع في طريقه، ويثبت هنالك أن المبني على الشك معلوم، فضلا عن المبني على الظن.