للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن عنيتم به: إفادته لتمام الخبر، لم يعقل ذلك، إلا بعد تعقل الخبر، فإذا عرفتم به الخبر لزم، الدور، وإن عنيتم به معنى ثالثا، فاذكروه.

وثالثها: أن قولنا: "نفيا وإثباتا" يقتضى الدور؛ لأن النفي: هو الإخبار عن عدم الشيء، والإثبات: هو الإخبار عن وجوده، فتعريف الخبر بهما دور.

وإذا بطلت هذه التعريفات، فالحق عندنا أن تصور ماهية الخبر عني عن الحد والرسم؛ لدليلين:

الأول: أن كل أحد يعلم بالضرورة معنى قولنا: "إنه موجود، وإنه ليس بمعدوم، وإن الشيء الواحد لا يكون موجودا، ومعدوما، ومطلق الخبر جزء من الخبر الخاص، والعلم بالكل موقوف على العلم بالجزء" فلو كان تصور مطلق ماهية الخبر موقوفا على الاكتساب، لكان تصور الخبر الخاص أولى أن يكون كذلك؛ فكان يجب ألا يكون فهم هذه الأخبار ضروريا، ولما لم يكن كذلك، علمنا صحة ما ذكرناه.

والثاني: أن كل أحد يعلم بالضرورة الموضع الذي يحسن فيه الخبر، ويميزه عن الموضع الذي يحسن فيه الأمر؛ ولولا أن هذه الحقائق متصورة تصورا بديهيا، وإلا لم يكن الأمر كذلك.

فإن قلت: الخبر نوع من أنواع الألفاظ، والألفاظ ليست تصوراتها بديهية، فكيف قلت: إن ماهية الخبر متصورة تصورا بديهيا؟

قلت: حكم الذهن بين أمرين؛ بأن أحدهما له الآخر، أو ليس له الآخر، معقول واحد، لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وكل أحد يدركه من نفسه، ويجد التفرقة بينه وبين سائر أحواله النفسانية مع ألمه، ولذته، وجوعه، وعطشه.

<<  <  ج: ص:  >  >>