وأما المعارضة بقول الخمسة، فالجواب: أنه لا يمتنع أن يقع العلم بخبر خمسة، والحاكم إنما لم يعلم صدق هؤلاء الخمسة، وإن وجب عليه إقامة الحد؛ لجواز أن يكون أربعة منهم شاهدوا ذلك، والخامس ما شاهده، فلزم إقامة الحد بقول أربعة منهم، وإن لم يعرفهم بأعيانهم، وكان الخامس كاذبا؛ فلا جرم وجب عليه البحث عن أحوالهم، وهذا بخلاف الأربعة؛ فإنه إذا لم يحصل العلم بقولهم؛ وجب أن يكون واحد منهم كاذبا.
وبهذا التقدير: تسقط الحجة بقولهم، ولزم على الحاكم رد قولهم، وإقامة الحد عليهم؛ فظهر الفرق.
واعلم أن هذا الجواب يقتضي القطع بكذب واحد من الخمسة، أو القطع بأن قول الخمسة لا يفيد العلم أصلا، أو القول بأنه لا يلزم من كون قول الخمسة مفيدا للعلم أن يكون قول كل خمسة مفيدا للعلم.
قوله:(يلزمكم أن تقطعوا بأنه لا يقع العلم بخبر أهل القسامة):
قلنا: أهل العراق يقولون: يحلف خمسون من المدعى عليهم؛ كل واحد منهم على أنه ما قتل، ولا عرف قاتلا، فكل واحد منهم يخبر عن غير ما يخبر عنه الآخر.
وعند الشافعي- رضي الله عنه- يحلف خمسون من المدعين؛ كل واحد منهم بحسب ظنه، فخبر كل واحد منهم غير خبر الآخر.
المسألة الثانية: الحق، أن العدد الذي يفيد قولهم العلم- غير معلوم؛ فإنه لا عدد يفرض إلا وهو غير مستبعد في العقل صدور الكذب عنهم، وإن الناقص عنهم بواحد، أو الزائد عليهم بواحد لا يتميز عنهم في جواز الإقدام على الكذب.