للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينئذ من صدق أحدهما صدق الآخر، وإن فرض السؤال عن امتناع خلق عبارات مع تعبير إيهام عن القائم بالنفس، ولا يكون كذلك، فذلك يرجع إلى جواز الإضلال على الله- تعالى- وتلك مسألة أخرى.

قال: وأما مطالبة المصنف بالبرهان، فهو أن الخبر يقوم بالنفس على وفق العلم، فلو كان الخبر كذبًا، لم تكن النسبة مطابقة لما في الوجود، فلم تكن جميع أجزاء القضية علومًا؛ لأنه لم يكن على ما هو عليه، وهو جهل.

قال: وأما ما اعتمد عليه فنقول: ما معنى الكمال ليمكننا تسليم أن الصادق أكمل من الكاذب أم لا؟ وإذا لم يمكن الانتهاء في تفهيمه إلى حد يضطر العقلاء إلى تسليمه إلا باعتبار الشبهة والإضافة، فكيف يمكن دعوى الضرورة في ثبوته لشيء في ذاته؟ ولأن البحث إذا كان عن الأصوات المسموعة، ونظمها على وجه مخصوص، ولم ينظر إلى نظمها علمًا وجهلًا، أو إرشادًا وضلالًا، وموافقة غرض، ومخالفته إلى جهة أخرى من جهات الحسن والقبح، فأي فرق يقتضيه العقل في الكمال بين صورتين متماثلتين في نظمهما: زيد في الدار اتفق الوجود على وفق أحدهما، وخلاف الأخرى، وهل هما إلا كما إذا رقم هذا النظم على لوح مرتين لامتحان، أو عبث، أو جرى على لسان نحوى في معرض المطارحة للتعليم والتمثيل؛ ولأن الكلام بهذا التفسير فعل، والكلام من صفات الذات، ويستحيل أن يعود من الفعل وصف كمال إلى الذات؛ ولأنا نقول: ما الدليل على وجوب اختصاص الباري- تعالى- بوصف الكمال من جميع الوجوه، ولا يدل عليه نقل؛ إذا فيه دور كما زعم؟ ودعوى الضرورة في هذا المقام محال مع مصير الفلاسفة إلى سلب الاختيار عن الباري- تعالى- والعلم بالجزئيات، والقدرة، والتأثير فيما عدا العقول الأول، ومصير المعتزلة إلى عجزه عما يقدر عليه العبد من العلوم والمعارف، ومحاسن الحركات والسكنات، وهي أشرف وأكمل من الألوان والطعوم، وكثير من الجواهر والأعراض، وكون العالم يتصرفون على خلاف مراده عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>