حينئذ من السكوت عن التكذيب حصول التصديق؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، يجوز سكوته، لاحتمال كونه متوقفًا في الأمر.
الثاني: قالوا: إذا أخبر الواحد بحضرة جماعة كثيرة عن شيء؛ بحيث لو كان كذبًا؛ لما سكتوا عن التكذيب، كان ذلك دليلًا على صدقه فيه؛ لأنهم: إما أن يكونوا سكتوا، مع علمهم بكذبه، أو لا مع علمهم بكذبه:
والأول: باطل؛ لأن الداعي إلى التكذيب قائم، والصارف زائل ومع حصول هذين الشرطين يجب الفعل، فلما لم يوجد، دل على أنهم لم يعملوا كذبه.
وإنما قلنا:(إن الداعي حاصل)؛ لأن من استشهد على خبر كذب، فأراد الصبر على التكذيب، وجد من نفسه مشقة على ذلك الصبر، وذلك يدل على حصول الداعي.
وأما زوال الصارف، فإن ذلك الصارف: إما رغبة، أو رهبة، والجمع العظيم لا يعمهم من الرغبة أو الرهبة ما يحملهم على كتمان ما يعلمونه، ولهذا لا يجتمعون على كتمان الرخص والغلاء العظيمين.
فأما القسم الثاني؛ وهو أن يقال:(سكتوا؛ لعدم علمهم بكذب القائل) فباطل؛ لأنه يبعد عن الجمع العظيم أن لا يطلع واحد منهم عليه.
واعلم أن هذا الطريق لا يفيد اليقين؛ بل الظن؛ لأنه لا يمكننا القطع بامتناع اشتراك الجماعة الذين حضروا في رغبة، أو رهبة مانعة من السكوت، وإن سلمناه؛ لكن لا يستبعد غفلة الحاضرين عن معرفة كونه كذبًا؛ إذا ربما لم يتعلق لهم به غرض؛ فلم يبحثوا عنه.