أحدها: لو جاز أن يقول الله تعالى: (مهما غلب على ظنكم صدق الراوي، فاعملوا بمقتضى خبره) جاز أن يقول الله تعالى أيضًا: (مهما غلب على ظنكم صدق المدعى للرسالة، فاقبلوا شرعه وأحكامه) لأنا في كلتا الصورتين نكون عاملين بدليل قاطع؛ وهو إيجاب الله تعالى علينا العمل بالظن، أو إيجاب العقل علينا ذلك، ولما لم يجز ذلك هناك، فكذا هاهنا.
وثانيها: لو جاز التعبد بأخبار الآحاد في الفروع، لجاز التعبد بها في الأصول حتى يكتفي في معرفة الله تعالى بالظن.
وثالثها: الشرعيات مصالح، والخبر الذي يجوز كذبه لا يمكن التعويل عليه في تحصيل المصالح.
فإن قلت:(لم لا يجو أن تكون المصلحة هي إيقاع ذلك الفعل المظنون): قلت: كون الفعل مصلحة: إما أن يكون بسبب ذلك الظن، أو لا بسببه: والأول: باطل؛ لأنه لو جاز أن يؤثر ظننا في صيرورة ما ليس بمصلحة مصلحة، لجاز أن يؤثر ظننا بمجرد التشهي في ذلك؛ حتى يحسن من الله تعالى أن يقول:(أطلقت لك في أن تحكم بمجد التشهي، من غير دليل ولا أمارة) ومعلوم أنه باطل.
وأما الثاني: فنقول: إذا كان كون الفعل مصلحة ليس تابعًا لظننا، فيجوز أن يكون الظن مطابقًا، وألا يكون فيكون، الإذن في العمل بالظن إذنًا في فعل ما لا يجوز فعله؛ وإنه غير جائز.