قوله:(قال الشافعي: أقبل شهادة الحنفي، واحده على شرب النبيذ): تقريره: أن الشافعي يقول: التأديبات تعتمد المفاسد لا المعصية؛ بدليل تأديب الصبيان، والمجانين، والبهائم استصلاحًا لهم لا لعصيانهم.
فكذلك الحنفي هو غير عاص؛ لصحة تقليده، وهو موقع لمفسدة التوسل إلى إتلاف عقله؛ فإن القليل قد يؤدي إلى الكثير، فيسكر، فأحده لذلك، غير أنه وإن كان هذا مدركًا حسنًا سمعت الشيخ عز الدين يذكره، غير أنه يرد عليه أن التأديب المعهود في الشرح للاستصلاح مع عدم الذنب غير محدود بعدد، وما عهدنا في الشرع حدًا على مباح، وهذا حد عنده، فيتعين إما ألا يحده، أو يعصيه، ويحده كما قال مالك: أحده، وأرد شهادته، ومنشؤ الخلاف بين الإمامين أن الفتاوى قسمان: منها ما يجوز التقليد فيه، ومنها ما لا يجوز، وهو ما كان على خلاف أحد أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي إذا سلمنا هذه الثلاثة عن المعارض؛ لأن الحاكم لو حكم بما هو على خلاف هذه الثلاثة نقض حكمه، فما لا نقره شرعًا إذا تقرر بحكم الحاكم أولى ألا نقره إذا لم يتصل بما يؤكده.
ثم يختلف بعد ذلك في بعض المسائل، هل هي من القسم الأول أو من الثاني؟.
فالشافعي يرى مسألة النبيذ من الأول.
ومالك يراها من الثاني؛ لتضافر النصوص في الباب من السنة بتحريم قليل ما أسكر كثيره، ولا معارض لها، والقياس على الخمر جلي؛ ولأن القواعد تقتضى سد الذرائع في مثل هذا.
فهذه الصورة على خلاف الثلاثة، وواحد منها كاف في إبطال التقليد منها، فكيف بها كلها؟.