وقال قوم: لابد من السبب فيهما جميعًا؛ أخذًا بمجامع كلام الفريقين.
وقال القاضي أبو بكر: لا يجب ذكر السبب فيهما جميعًا؛ لأنه إن لم يكن بصيرًا بهذا الشأن، لم تصح تزكيته، وإن كان بصيرًا، فلا معنى للسؤال.
والحق: أن هذا يختلف باختلاف أحوال المزكي، فإن علمنا كونه عالمًا بأسباب الجرح والتعديل، اكتفينا بإطلاقه.
وإن علمنا عدالته في نفسه، ولم نعرف إطلاعه على شرائط الجرح والتعديل، استخبرناه عن أسباب الجرح والتعديل.
المسألة الثالثة: إذا تعارض الجرح والتعديل، قدمنا الجرح؛ لأنه اطلاع على زيادة، لم يطلع عليها المعدل، ولا نفاها، فإن نفاها، بطلت عدالة المزكي؛ إذ النفي لا يعلم؛ اللهم إلا إذا جرحه بقتل إنسان، فقال المعدل:(رأيته حيًا) فهاهنا يتعارضان، وعدد المعدل، إذا زاد، قيل: إنه يقدم على الجارح، وهو ضعيف؛ لأن سبب تقديم الجرح اطلاع الجارح على زيادة؛ فلا ينتفي ذلك بكثرة العدد.
المسألة الرابعة: للتزكية مراتب أربعة:: أعلاها: أن يحكم بشهادته، والثانية: أن يقول: هو عدل؛ لأني عرفت منه كيت وكيت، فإن لم يذكر السبب، وكان عارفًا بشروط العدالة، كفى.
والثالثة: أن يروي عنه خبرًا، واختلفوا في كونه تعديلًا.
والحق: أنه إن عرف من عادته، أو بصريح قوله: أنه لا يستجيز الرواية إلا عن عدل، كانت الرواية تعديلًا، وإلا فلا؛ إذ من عادة أكثرهم الرواية عن كل من سمعوه، ولو كلفوا الثناء عليهم، سكتوا.