الشيء فرع تصوره، ولقد أقمت ثماني سنين، وأنا أجد في فروع الفقه، أن منشأ الخلاف في هذه المسألة دورانها بين الشهادة والرواية، واسأل من أجده من الفضلاء يقول: الفرق بينهما أن الشهادة يشترط فيها العدد، والحرية، والذكورة في بعض الصور، والرواية ليست كذلك في الجميع، فأقول لهم: التزام هذه الشروط فيها فرع تصورهما؟ فكيف يستفاد تصورهما من فروعهما، فلا يحصل في ذلك تصورهما، ولم ازل كذلك حتى وجدته في شرح المازري لـ (البرهان)، فقال:"قاعدة": الخبر يعم الشهادة والرواية، فمتعلق ذلك الخبر وفائدته إن كان عامًا في الأمصار، والأعصار إلى يوم القيامة، فهو الرواية، وغن كان خاصًا بشخص معين، فهو الشهادة، وبهذا السر يظهر اشتراط العدد؛ لأن الشاهد إذا أخبر عن ضرر شخص معين احتمل أن يكون عدوًا له، وما شعرنا به، فاستظهرنا بالعدد لتبعد التهمة، ففي الرواية لا يعادي العدل الخلائق إلى يوم القيامة، فلام نشترط العدد، وبه ظهر اشتراط الحرية؛ فإن إثبات سلطان العبيد على الشخص المعين يتضرر به ذلك المعين، وحكم يعم الخلق أجمعين لا يتضرر به أحد؛ لأنه لم يستشعر أن العبد قصده، والمعين مقصود، فيتألم، ثم المواطن ثلاثة أقسام:
قسم اتفق على أنه من باب العموم الصرف، فهو رواية اتفاقًا، كقوله عليه السلام:(الأعمال بالنيات).
وقسم خصوص صرف، فهو شهادة اتفاقًا، كإخبار العدل من ثبوت الدين على زيد.
وقسم اختلف العلماء فيه، لتردده بين العموم والخصوص، هل هو شهادة أو رواية؟
كشهادة هلال رمضان من جهة أنه يخص هذا العام، فيشبه الشهادة، ومن جهة أنه لا يختص ببلد معين عموم، فيشبه الرواية، ففيه لأجل الشائبة قولان.