فإن كان الأول: كان القياس مقدمًا على خبر الواحد؛ لا محالة؛ لأن هذا القياس يقتضي القطع، وخبر الواحد يقتضي الظن، ومقتضى القطع مقدم على مقتضى الظن.
وإن كان الثاني: كان الخبر؛ لا محالة، مقدمًا على القياس؛ لان الظن، كلما كان أقل، كان بالاعتبار أولى.
وإن كان الثالث: فهذا يحتمل أقسامًا كثيرة، ونحن نعين منها صورة واحدة؛ وهي: أن يكون دليل ثبوت الحكم في الأصل قطعيًا، إلا أن كونه معللًا بالعلة المعينة، ووجود تلك العلى في الفرع ظنيًا، فها هنا اختلفوا: فعند الشافعي- رضي الله عنه-: الخبر راجح، وعند مالك- رحمه الله- القياس راجح.
وقال عيسى بن أبان: إن كان راوي الخبر ضابطًا، عالمًا- وجب تقديم خبره على القياس؛ وإلا كان في محل الاجتهاد.
وقال أبو الحسين البصري: طريق ترجيح أحدهما على الآخر الاجتهاد؛ فإن كانت أمارة القياس أقوى عنده من عدالة الراوي، وجب المصير إليها؛ وإلا فبالعكس، ومن الناس من توقف فيه.
لنا وجوه:
الأول: أن الصحابة كانوا يتركون اجتهادهم لخبر الواحد: من ذلك: قصة عمر- رضي الله عنه- في الجنين؛ حتى قال:"كدنا نقضي فيه برأينا، وفيه سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأيضًا: ترك اجتهاده في المنع من توريث المرأة من دية زوجها.
وأيضًا قال:(أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها؛ فقالوا بالرأي؛ فضلوا وأضلوا).