الثالث: أن الله تعالى قادر على إيصال كل المنافع بدون عمل الشكر فيكون توسيط هذا الشكر غير واجب عقلا.
ولا جائز أن يكون لدفع المضرة، لأنه إما أن يكون لدفع مضرة عاجلة، وهو باطل لأن الاشتغال بالشكر مضرة عاجلة فكيف يكون دفعا للمضرة العاجلة؟
وأما أن يكون لدفع مضرة آجلة، وهو باطل أيضا لأن القطع بحصول المضرة عند عدم الشكر إنما يمكن إذا كان المشكور يسره الشكر ويسوءه الكفران فأما من كان منزها عنهما فاستوى الشكر والكفران بالنسبة إليه فلا يمكن القطع بحصول العقاب على ترك الشكر بل احتمال العقاب على الشكر قائم من وجوه:
أحدها: أن الشاكر ملك المشكور فإقدامه على تصرف الشكر بغير إذنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه من غير ضرورة وهذا لا يجوز.
وثانيها: أن العبد إذا حاول مجازاة المولى على إنعامه عليه استحق التأديب والاشتغال بالشكر اشتغال المجازاة فوجب أن لا يجوز.
وثالثها: أن من أعطاه الملك العظيم كسرة من الخبز أو قطرة من الماء فاشتغل المنعم عليه في المحافل العظيمة يذكر تلك النعمة وشكرها استحق التأديب وكل نعم الدنيا بالقياس إلى خزانة الله تعالى أقل من تلك الكسرة بالقياس إلى خزانة ذلك الملك فلعل الشاكر يستحق العقاب بسبب شكره.
ورابعها: لعله لا يهتدي إلى الشكر اللائق فيأتي بغير اللائق فيستحق العقاب.