وقد صرح داود وسليمان عليهما السلام بالشكر في قوله تعالى:"وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين"[النمل:١٥] وليس يجب إذا كان تعالى قادرا على أضعاف ما منحه عبيده من النعم أن يستحقر ما منحه إياهم كما أن الملك إذا أعطى قناطير ذهب فإنه لا يستحقر ذلك لأجل أن خزائنه بقيت مشتملة على أضعاف مضاعفة على ما أعطى.
سلمنا أن وجوبه ليس لفائدة زائدة فلم لا يجوز ذلك؟
قوله أنه عبث والعبث قبيح قلنا إنكم تنكرون القبح العقلي فكيف تمسكتم به في هذا الموضع؟
سلمنا أن ما ذكرتموه يوجب أن لا يجب الشكر عقلا لكنه يوجب أيضا أن لا يجب شرعا فإنه يقال إنه تعالى لو أوجبه لأوجبه إما لفائدة أو لا لفائدة ...
إلى آخر التقسيم ولما كان ذلك باطلا بالاتفاق فكذا ما ذكرتموه.
سلمنا صحة دليلكم ولكنه معارض بوجوه الأول أن وجوب شكر المنعم مقرر في بدائه العقول وما كان كذلك لم يكن الاستدلال على نقيضه قادحا فيه.
الثاني: هو أن من وصل إلى طريقين، وكان أحدهما آمنا، والآخر مخوفا، فإن العقل يقضي بسلوك الطريق الآمن دون المخوف، وها هنا الاشتغال بالشكر طريق آمن والاعراض عنه مخوف فكان الاشتغال بالشكر أولى.
الثالث: أنه لو لم يجب الشكر في العقل لم يجب طلب معرفة الله تعالى أيضا لأنه لا فرق في العقل بين البابين.
ولو لم يجب طلب معرفة الله تعالى في العقول لزم افحام الرسل والأنبياء،