قال الرازي: روى أن عمر - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قبلة الصائم؟ فقال:(أرأيت لو تمضمضت بماءٍ، ثم مججته، أكنت شاربه؟!).
وجه الاستدلال به: أنه - عليه الصلاة والسلام - استعمل القياس، وذلك يوجب كون القياس حجة.
إنما قلنا:(إنه استعمل القياس) لأنه - عليه الصلاة والسلام - حكم بأن القبلة من دون الإنزال لا تفسد الصوم؛ كما أن المضمضة من دون الازدراد لا تفسد الصوم، وإيراد هذا الكلام يدل على أن الجامع بينهما ما يفهمه كل عاقل عند سماع هذا الكلام؛ من أنه لم يحصل عند المقدمتين ما هو الثمرة المطلوبة؛ فوجب ألا يكون حكم المقدمة؛ كحكم الثمرة المطلوبة، وإنما قلنا:(إنه - عليه الصلاة والسلام - لما استعمل القياس، وجب أن يكون حجة) لوجهين:
الأول: أن التأسي به واجب.
الثاني: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت) خرج مخرج التقرير، فلولا أنه - عليه الصلاة والسلام - قد مهد عند - عمر رضي الله عنه - التعبد بالقياس، لما قرر ذلك عليه!! ألا ترى أن الإنسان لو حكم بحكم من الكتاب، جاز أن يقول لمن سأله عنه:(أليس قد قال الله تعالى كذا وكذا؟) إذا كان الكتاب عنده، وعند من يخاطبه حجة، ولا يجوز أن يقول ذلك، إذا كان هو ومن يخاطبه لا يعتقدان كونه حجة.
ولا يقول الإنسان في حكم حكم به؛ لأجل القياس: أليس أنَّ القياس يقتضيه؟ مع أنه ومن خاطبه لا يعتقدان كون القياس حجة!!