فإن الغالب على الناس المخالفة بشهادة الاستقراء بعد البعثة، قال الله تعالى:((وما وجدنا لأكثرهم من عهد))، و ((إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله))، ((وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)).
وثانيهما: أنهم لو تركوا لعوقبوا عملا بالأصل؛ لأن ترك الواجب سبب العقوبة، والأصل ترتب المسببات على أسبابها، فينتظم هذا القياس لو كلفوا لتركوا، ولو تركوا لعوبقوا، لكنهم لم يعاقبوا لقوله تعالى:((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا))، فيكون لازم اللازم للتكليف منفيا، فيكون التكليف منفيا، ومتى أهملت هاتان المقدمتان، أو إحداهما لم يتجه الاستدلال بالنص، فيرد عليه خمسة أسئلة:
الأول: أن الفعل حقيقة في حق مباشر الفعل، ومجازا في نسبته للآمر به، نحو: قطع السلطان اللص، وبني القلعة، أي: أمر بذلك، وهو مجاز بالنص، وكذلك في مورد النفي إنما يحمل على نفي الحقيقة، فإذا قلنا: ما قام زيد، فمحمله على نفي القيام الحقيقي، فيحمل نفي العذاب في الآية على نفي التعذيب الذي صدر عن مجرد قدرته - تعالى - من غير أن يأمر به ملكا أو غيره؛ لأنه المباشرة في حقه تعالى، فينفي من العذاب ما يقطع بطريق أمره به تعالى، كخسف مدائن لوط وغير ذلك، كما أمر الله تعالى به الملائكة أو غيرهم، فلا يكون مطلق العذاب منفيا، فلا يلزم نفي التكليف.
الثاني: سلمنا سموله للنوعين، لكن لا نسلم أن النكرة إذا كانت في سياق النفي تعم مطلقا، وإنما تعم إذا كانت في أسماء خاصة، فقد قال الجرجاني في أول ((شرح الإيضاح)): إذا قلت: ما جاءني رجل، لا