ولا يدخل فيه ما هو من غير جنسه، وقد يشتبه الشيء بالشيء، فلا بد من التأمل الكثير؛ ليعرف أنه من جنسه، أو من غير جنسه.
وأما الثاني: وهو قوله: (قس الأمور برأيك): فلا يدل أيضًا على الغرض؛ لأن القياس في أصل اللغة: عبارة عن التسوية، فقوله:(قس الأمور برأيك) معناه: اعرض الأشياء على فكرتك وتأملك؛ لأن التفكر في الشيء لا معنى له إلا استحضار علوم، أو ظنون؛ ليتوصل بها إلى تحصيل علوم، أو ظنون، فالمتفكر كأنه يريد التسوية بين المطلوب المجهول، وبين المقدمات المعلومة؛ ليصير المجهول معلومًا.
وهذا التأويل متعين؛ لأن الرأي هو الروية، فقوله:(قس الأمور برأيك) معناه: سو الأشياء برويتك، وتسوية الأشياء بالروية ليست إلا ما ذكرنا؛ فيرجع حاصل الأمر إلى أنه أمره بأن لا يحكم بمجرد التشهي والتمني؛ بل بالاستدلال والنظر، وذلك ليس من القياس الشرعي في شيء.
سلمنا أن المراد منه الأمر بتشبيه الفرع بالأصل؛ لكن يحتمل أن يكون المراد التشبيه في ثبوت ذلك الحكم، وأن يكون المراد منه التسوية في أنه كما لا يثبت حكم الأصل إلا بالنص، فكذا حكم الفرع لا يثبت إلا بالنص؛ فلم قلت: إن الاحتمال الأول أولى من الثاني؟
وأما الوجه الثاني: وهو تشبيه ابن عباس:
قلنا: لم قلت: إن المراد: أنه جمع بين الأمرين بعلة قياسية؟ ولم لا يجوز أن يكون ذلك لأجل أنه كما سمى - النافلة - بالابن مجازًا، واكتفى بهذا الاسم المجازي في اندراج (النافلة) تحت عموم قوله تعالى: {يوصيكم الله في