وأما الثاني: إذا قلنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، فالمقدمة الكبرى كلية، ويلزم من ثبوت الجسم لموضوعها، وهو (الحيوان)، ثبوته للإنسان؛ لأنه بعض الكلية، التي هي الحيوان، فاستفدنا ثبوت الحكم في الجزئي من الكلى.
وأما الثالث؛ فلأنا نستدل بورود التحريم في الخمر، وهو جزئي، على أن كل مسكر حرام، فقد استفدنا الكلى من الجزئي، ثم يلزم من تلك الكلية التي استفدناها أن النبيذ يحرم، وحينئذ يحصل القياس الشرعي من ثبوت الحكم من جزئي الكلي، ومن كلي الجزئي، وهو معنى ما قاله، فظهر أن القياس الفقهي مركب من الاستقراء، والقياس المنطقي، وهو تلخيص حسن ذكره في (المحصل)، ولا ينافي قوله- ها هنا- فإنه- ها هنا- اختصر ذلك، وأخذ الجزئي، وأسقط الكلية المتوسطة.
قوله:(يقال: رأى يرى رؤية ورأيا، والرأي مرادف للرؤية):
قلنا: إن أردتم أنه مرادف لرؤية القلب، فمسلم، أو لرؤية العين، فممنوع، والأول يحتمل القياس؛ لأنه فكر واعتبار بالقلب، فلا بد من مقدمة، وهو أن يقول: ورؤية البصر قدر عام، وإذا كان اللفظ حقيقة في العام، لا يكون حقيقة في أحد أنواعه بخصوصه، وإلا لزم المجاز أو الاشتراك.
وإنما يصدق لفظ العام على أحد أنواعه من حيث اشتماله على ذلك المعنى العام، لا من حيث خصوصه، كما أنه لا يصدق لفظ الحيوان على الإنسان إلا من حيث اشتماله على الحيوانية، لا من حيث إنه ناطق.
قوله:(قال الصديق- رضي الله عنه-: (أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله رأيي)، وذكر معه آثارًا أخرى: