قوله:(لأن ترجيح الخالي عن الضرر على المشتمل عليه متعين في بديهة العقل):
قلنا: هذا منفوض بما أنه لا يجب على القاضي أن يعمل بقول الشاهد الواحد، إذا غلب على ظنه صدقة، وأن يعمل في الزنا بقول الشاهدين، إذا غلب على ظنه صدقهما، وبما إذا ظهرت مصلحة لا يشهد باعتبارها حكم شرعي البتة، وبما إذا أدعى الرجل الذي غلب على الظن صدقه للنبوة، وبما إذا غلب على ظن الدهري، واليهودي والنصراني والكافر قبح هذه الأعمال الشرعية، فإن غلبة الظن حاصلة في هذه الصورة، ولا يجوز العمل بها.
فإن قلت: المظنة إنما تفيد الظن، إذا لم يقم دليل قاطع على فسادها؛ وفي هذه الصور قد قامت الدلالة على فسادها؛ فلا يبقى الظن.
قلت: فعلى هذا التقدير: القياس إنما يفيد ظن دفع الضرر، إذا لم يوجد دليل يدل على فساد القياس؛ فيصير نفي ما يدل على فساد القياس جزءًا من المقتضى لظن الضرر؛ فعليكم أن تثبتوا أنه لم يوجد ما يدل على نفي القياس، حتى يمكنكم ادعاء حصول ظن الضرر، وبعد المجاوزة عن النقض تقول: متى يجب الاحتراز عن الضرر المظنون، إذا أمكن تحصيل العلم به، أم إذا لم يمكن؟.
الأول: ممنوع؛ فإن الشيء، إذا أمكن تحصيل العلم به، فالاكتفاء بالظن- مع جواز كونه خطأ- إقدام على ما لا يؤمن كونه قبيحًا مع إمكان الاحتراز عنه؛ وهو غير جائز بالاتفاق.
والثاني: مسلم؛ ولكن إنما يجوز الاكتفاء بالظن في الوقائع الشرعية، إذا