والأول: باطل؛ وإلا لزم أن تكون المفسدة المعارضة بمصلحة مرجوحة مساوية للمفسدة الخالصة عن شوائب المصلحة، وذلك باطل بالبديهة.
والثاني أيضًا: باطل: لأن القدر الذي يندفع من المفسدة بالمصلحة يكون مساويًا لتلك المصلحة، فيعود التقسيم الأول في ذينك التقديرين المتساويين؛ في أنه ليس اندفاع أحدهما بالآخر أولى من العكس، فإما أن يندفع كل واحد منهما بالآخر؛ وهو محال، أو لا يندفع واحد منهما بالآخر؛ وهو المطلوب.
وأيضًا فليس اندفاع بعض أجزاء الطرف الراجح بالطرف المرجوح، وبقاء بعضه- أولى من اندفاع ما فرض باقيًا، وبقاء ما فرض زائلًا؛ لأن تلك الأجزاء متساوية في الحقيقة.
الثالث: وهو أنه تقرر في الشرع إثبات الأحكام المختلفة؛ نظرًا إلى الجهات المختلفة؛ مثل الصلاة في الدار المغصوبة؛ فإنها من حيث إنها صلاة سبب الثواب، ومن حيث إنها غصب سبب العقاب، والجهة المقتضية للثواب مشتملة على المصلحة، والجهة المقتضية للعقاب مشتملة على المفسدة، وعند ذلك: نقول: المصلحة والمفسدة: إما أن يتساويا، أو تكون إحداهما راجحة على الأخرى، فعلى تقدير التساوي: يندفع كل واحد منهما بالآخر، فلا تبقى لا مصلحة، ولا مفسدة؛ فوجب ألا يترتب عليها لا مدح، ولا ذم، وقد فرضنا ترتبهما عليها؛ هذا خلف.
وإن كانت الجهتين راجحة، كانت المرجوحة معدومة، فيكون الحاصل: إما المدح وحده، أو الذم وحده، وقد فرضنا حصولهما معًا؛ هذا