فإن قلت:(إنه ما أمره في الحال بإيقاع الفعل في الحال؛ حتى يلزم ما قلته، بل أمره في الحال بأن يوقعه في الزمان الثاني):
قلت: هل لقولك: (يوقعه) مفهوم زائد على الفعل أم لا؟.
فإن لم يكن له مفهوم زائد: لم يكن لقولك: (إنه أمره في الحال بإيقاع الفعل في الزمان الثاني) معنى إلا أنه أعلم في الحال بأنه لابد وأن يكون في الزمان؛ بحيث يصدر عنه الفعل، ففي هذا الزمان: لم يحصل إلا الإعلام، فأما الإلزام، فلا يحصل إلا في الزمان الثاني، فيعود الأمر إلى أنه أمره بإيقاع الفعل حال وقوعه فيه.
وإن كان لقولك:(يوقعه) مفهوم زائد على مفهوم الفعل: فذلك الزائد، هل حصل في الزمان الأول، أو ما حصل؟ فإن حصل في الزمان الأول، وقد أمر في الزمان الأول به؛ فحينئذ: يلزم كونه مأمورًا بالشيء حال حصوله، وإن لم يحصل في الزمان الأول، بل في الزمان الثاني، عاد ما ذكرنا؛ من أن الحاصل في الزمان الأول إعلام، لا إلزام، والإلزام لا يحصل إلا في الزمان الثاني؛ فيعود ما ذكرنا؛ من أنه أمر بالفعل حال وقوعه.
ورابعها: أن الله تعالى قال: {إن الذين كفروا سواء عليهم، أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}[البقرة: ٦] فأولئك الذين أخبر الله عنهم بهذا الخبر كانوا مأمورين بالإيمان، ومن الإيمان تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، فإذن: كانوا مأمورين بأن يصدقوا الله تعالى في إخباره عنهم بأنهم لا يؤمنون البتة، وذلك تكليف ما لا يطاق.