وقوله:(إن أخبر العاقل عن إسناد حصول ظنه إليه لم يستقبح):
قلنا: إن صح ذلك دل على ترشيح إفادة الدوران ظن العلية، وهو أمر كلي، فأي حاجة إلى المقدمة الثانية؟
وثانيا: لم قال: إن كل دوران يجب أن يكون كذلك؟
وأما التمسك بالآية، ففي غاية الضعف، ولولا صدوره عن مثله، وولوع أبناء الزمان بأمثاله، لكان الإعراض عنه أولى من الاعتراض عليه؛ إذ يعز على أهل النظر الشديد صرف الزمان إلى ما بيده العاقل فساده.
لكني أقول مكرها لا بطلا: تفسير العدل بالتسوية المطلقة ظلم؛ لأنه يلزم منه جهل كل إنسان، وحمارية كل حيوان، وإمكان كل معلوم، ووقع كل ممكن، ونبوة كل متحد، وكذب كل مدع، وحل كل مأكول، وإباحة كل قتل، وجسمية كل صانع، وبطلان كل دين، وقدم كل موجود، إلى غير ذلك مما لا يعد كثرة لأن بعضها كذلك عملا بالآية، ثم يؤدي إلى التناقض؛ لأن جزئيات مطلق الأجناس متناقضة الأحكام والخصائص، فيلزم أن يحكم على كل واحد من الدائرين أنه علة للآخر عملا بالتسوية بينهما، وتوهم أن هذا من قبيل تخصيص العموم من أفسد الخيالات، ثم هو معارض بحد آخر، وهو إقامة الحق، والعمل بالواجب، وهو أولى؛ فإن من سوى بين الحق والباطل في جواز الفعل لا يسمى عادلا، بل حائرا، وإن وجدت منه التسوية.
ومن وجد منه التفرقة بين المحسن والمسيء في المجازاة، والعالم والجاهل في الإكرام، والحق والباطل في التمكن، سمي عادلا، وإن لم يسو بين هذه الأمور.
وثالثا: إن التسوية بين الدورانات حقيقة [في نفس الأمر ليس من فعل