بشعور الذهن بغير ذلك الوصف، وتحقق ذلك حال خلو الذهن عن الشعور بغير ذلك الوصف- محال.
فثبت بهذا: أن مجرد ذينك العلمين يقتضيان ظن العلية؛ بلى عند الشعور بوصف آخر يزول ذلك الظن، ولكن الشعور بالغير كالمعارض لما يقتضي ذلك الظن، ونفي المعارض ليس على المستدل.
حجة المنكرين من وجهين:
الأول: أن تجويزه يفتح باب الهذيان، كقولهم في إزالة النجاسة:(مائع لا تبنى القنطرة على جنسه؛ فلا تجوز إزالة النجاسة به؛ كالدهن):
وقال بعضهم في (مسألة اللمس): طويل مشقوق، فلا تنتقض الطهارة بلمسه؛ كالبوق.
الثاني: أن تعين الوصف المعين للعلة، مع كونه مساويا لسائر الأوصاف قول في الدين لمجرد التشهي، فيكون باطلا؛ لقوله تعالى:{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}[مريم: ٥٩].
والجواب عن الأول: أن ذلك الكلام يدل على جهل قائله بصورة المسألة؛ لأنا نقول: مجرد المقارنة يفيد ظن العلية؛ ولكن بشرط ألا يخطر بالبال وصف آخر هو أولى بالرعاية منه، ولكن هذا الشرط ساقط عن المعلل؛ لأن نفي المعارض ليس من وظيفته؛ وفي هذين المثالين: إنما يبطل ذلك؛ لأن العلم الضروري حاصل بوجود وصف آخر هو أولى بالاعتبار من الوصف المذكور؛ لأنا متى علمنا كون الدهن لزجا غير مزيل للنجاسة، علمنا أن هذا الوصف أولى بالاعتبار من كونه بحيث لا تبنى القنطرة على جنسه.