والثاني: ذكر صفة في الأصل لا تستقل علة، وعلة الأصل تستقل دونها.
قال: وأرى أن القسمين ينشآن من الأصل، فإن فرض حكم الأصل معللا بعلل، فالعلة الواحدة لا يتضمن انتفاؤها انتفاء الحكم، وهذا منشؤه من تعدد [العلة] في الأصل، فإذا اتحدت العلة لزم العكس.
قوله:(الاشتراك في اللوازم مع اختلاف الملزومات يدل على أن العكس في العلل العقلية غير لازم):
فلنا: أما اختلاف المختلفات، وتضاد المتضادات، وغير ذلك، فلا حجة فيه؛ لأنا نمنع التعليل في هذه الصورة، بل هذه اللوازم عندنا لازمة لذاتها غير معللة، كما نقول: الزوجية لازمة لوصف العشرة، والأربعة لذاتها غير معللة، وإذا انتفى التعليل بطل مقصودكم، وقد اشتهر في كلام القدماء: أن اللوازم معلولات.
وشبهتهم في ذلك أن الملزوم يقتضي وجوده وجود اللازم، كما أن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم، وإذا كان الوجود يقتضي الموجود، كان الوجود المقتضى علة؛ لأنا لا نعني بالعلة إلا ذلك. ووافقهم الإمام على ذلك.
والجواب: أن العلم بوجود الملزوم، يلزم منه العلم بوجود اللازم، كما أن العلم بالمشروط يلزم منه العلم بوجود الشرط من غير تعليل ألبتة، بل هي ملازمات بين علوم في العقول، إما لذواتها، وإما لأسباب خارجية، من غير تعليل بينها، كما أن متى علمنا وجود العرض، علمنا أن هناك جوهرا متحيزا، وليس العرض علة للجوهر بالاتفاق، وكذلك العلم [بالعالم] يوجب العلم بالصانع، مع أن الصانع واجب الوجود، شديد البعد من التعليل، والصفة لا تكون علة لصانعها، وكذلك العلم بالمعلول، يلزم منه العلم بعلته؛ والمعلول لا يكون علة، وإلا لزم الدور.