الحكم الذي طلب إثباته بالقياس: إما النفي الأصلي، أو الحكم الثبوتي المعلوم، أو المظنون: فلنتكلم في هذه الثلاثة، فنقول: افي أن النفي الأصلي، هل يمكن التوصل إليه بالقياس أم لا؟ بعد اتفاقهم على أن استصحاب حكم العقل كاف فيه.
والحق أنه يستعمل فيه قياس الدلالة، لا قياس العلة.
أما قياس الدلالة: فهو: أن يستدل بعدم آثار الشيء وعدم خواصه على عدمه، وأما تعذر قياس العلة، فلأن الانتفاء الأصلي حاصل قبل الشرع؛ فلا يجوز تعليله بوصف يوجد بعد ذلك.
ولقائل أن يقول: علة الشرع لا معنى لها إلا المعرف، وتأخر الدليل عن المدلول جائز.
وأعلم أن هذا الكلام يختص بالعدم، فأما الإعدام، فإنه حكم شرعي يجري فيه القياس.
وأما الذي طريقه العلم فقد اختلفوا في أنه، هل يجوز استعمال القياس فيه؟ وعندي: أن هذا الخلاف لا ينبغي أن يقع في الجواز الشرعي؛ فإنه لو أمكن تحصيل اليقين بعلة الحكم، ثم تحصيلا اليقين بأن تلك العلة حاصلة في هذه الصورة- لحصل العلم اليقيني بأن حكم الفرع مثل حكم الأصل، بل البحث ينبغي أن يقع في أنه، هل يمكن تحصيل هذين اليقينين في الأحكام الشرعية، أم لا؟
وأما الذي طريقه الظن: فلا نزاع في جواز استعمال القياس فيه.